في هذه السلسة من المقالات يقوم د. أحمد سيد مصطفى بتصويب الكثير من المعلومات المغلوطة التي يتم تداولها بين بعض المرضى و على بعض المواقع الالكترونية غير الموثقة.
- ... الدوالي بتجيب جلطات...
كثير من الناس يخافون من شكل العروق الزرقاء في الساقين. الحقيقة أن هذه تعتبر أولى و أبسط درجات الدوالي. هذا الأمر لا يجب أن يكون سبباً للقلق، على العكس، عادة ما أطمئن مرضاي وأخبرهم ألا يخافوا. أسطورة أنك "لو سبت الدوالي حتجيب جلطات" و أن " الجلطات حتروح القلب و الرئتين" لا أساس لها من الصحة.
و الصحيح هو أن جلطات الأوردة العميقة لها أسباب كثيرة ليس منها الدوالي العادية، من الممكن أن تزيد الدوالي مع الوقت ، و من الممكن أن تحدث لها مضاعفات مثل تورم الساقين و تغير لون الجلد إلى اللون الغامق، بل من الممكن أن تتكون جروح و قرح عبر السنين، و في حالات قليلة قد يحدث التهاب في الأوردة "السطحية" و الذي يطلق عليه "جلطة سطحية". مثل هذه الجلطات أو الالتهابات السطحية لا خوف منها لأنها لا تتحرك إلى الرئتين مثل الجلطات العميقة، و لكنها من الممكن أن تؤلم و أن تتسبب في أعراض مزعجة ناتجة عن الالتهاب الموجود.
لذلك لا أرى سبباً لتخويف مريض الدوالي و إيهامه بأنه لو لم يقم بإجراء عملية الدوالي ستحدث له جلطات و مشاكل طبية خطيرة ، و إنما يجب توعيته بأن الدوالي مرض بسيط و ليس خطير.
و هنا يأتي سؤال: "ما هو العلاج؟"
هذا السؤال تختلف إجابته من مريض إلى آخر وفقاً لدرجة و نوع الدوالي و نتيجة أشعة الدوبلكس التي تبين وجود تسريب أو ارتجاع في الأوردة من عدمه، و في جميع الأحوال فإن الاختيارات العلاجية كلها سهلة و لا خوف منها .
- ... الشعيرات الزرقاء مسببالي وجع في رجلي...
كثيراً ما نلاحظ في سيقاننا عروق زرقاء تحت الجلد مثل الشعيرات العنكبوتية . هذه الشعيرات كثيراً ما تكون متواجدة في بشرتنا لسنوات دون أن تسبب أي أعراض ، بل ربما لا نلاحظها أساساً، لكن عندما نشعر بألم في منطقة ما من الساق فإن ذلك يلفت انتباهنا بصورة تلقائية إلى مكان الألم و نقوم بالربط بينه و بين هذه العروق.
الصحيح هو أنه كي تتسبب هذه العروق و الشعيرات في الألم لابد أن يتوفر شرط وجود "ارتجاع أو تسريب" في الأوردة الرئيسية و فروعها ، و هو أمر لا يمكن تحديده بدون اجراء أشعة دوبلكس، للتأكد من أن الأوردة الرئيسية تالفة بالفعل ، مسببة للألم، أو أن الأمر مجرد شعيرات ظاهرة تحت الجلد.
بطبيعة الحال شعور الانسان بآلام في الساق ممكن يكون له أسباب كثيرة قد يكون لها علاقة بالأعصاب أو الأوتار أو العضلات أو الأربطة أو المفاصل. حتى نستطيع تحديد السبب الحقيقي للألم لابد من دراسة و تحليل أعراض المريض و اجراء الكشف الاكلينيكي بصورة دقيقة و عمل أشعة الدوبلكس إن تطلب الأمر. أما اذا تم علاج المريض بصورة غير احترافية و تم تجاهل كل هذه المعلومات ، و إجراء عملية لعلاج الدوالي مثلاً دون أن تكون هي السبب الحقيقي للألم، فإننا سنفاجأ بأن الألم مازال موجوداً و لم يختف بعد العلاج.
و في هذا السياق لا أشجع على اتخاذ أي قرارات علاجية خاصة بالدوالي من خلال رسائل واتساب أو على وسائل التواصل الاجتماعي دون مناظرة المريض، لأنه بدون التحليل الدقيق لأعراض المريض و العلامات الاكلينيكية في جسمه و نتائج أشعاته لا يمكن تحديد إن كان سيستفيد فعلياً من أي علاج (بما في ذلك العمليات و الليزر و خلافه) أم لا.
- ... خايف أعالج الدوالي و ترجع...
كثيراً ما أسمع هذه الجملة من مرضى الدوالي، و هي مخاوف لها ما يبررها، و لكن هل هي مخاوف حقيقية؟
سبب هذه المخاوف هو كثرة سماع شكوى مرضى يقولون أنهم عملوا عملية ما للدوالي و رجعت، فهل هؤلاء المرضى فعلاً بهذه الكثرة و هل شكواهم صحيحة؟
الحقيقة هي أن عمليات الدوالي تجرى لآلاف المرضى سنوياً في مصر وحدها، السواد الأعظم من هؤلاء المرضى يتم علاجهم بنجاح ، و تمضي حياتهم بصورة طبيعية حتى أنهم لا يذكرون في حواراتهم اليومية أنهم قاموا بإجراء أية عمليات، و بالتالي لا يسمع أحد عنهم و لا يعرف بنجاح تجربتهم لأنهم ليسوا في حاجة لذكر الأمر أمام الآخرين. هؤلاء المرضى لا يأتون بعد شهور أو سنوات ليذكروا في محادثاتهم أنهم الآن بحالة طيبة بعد إجراء عمليتهم، و يقيناً هم في غنى عن ذكر حقيقة أن الدوالي لم ترجع لهم، لا يوجد أصلاً ما يذكرهم بذلك و ما يجعلهم يتطوعون للحديث عن الموضوع.
لكن الأمر يختلف مع القلة التي أجريت لها عملية ما للدوالي و حدث عودة ظهور الدوالي، هؤلاء عادة ما يتحدثون كثيراً عن مشكلتهم بصورة عفوية لأنهم في حالة ضيق من هذه الدوالي، و تكرار سرد حكايتهم على مدار الشهور و السنين يعطي إيحاءً بأن كل من أجريت له عملية دوالي يحدث له ذلك و أن هذا هو النتيجة الحتمية لعلاج الدوالي، في حين أن الذين لم يتعرضوا لهذه المشكلة لا يتحدثون عن كونهم بحالة طيبة بعد العملية! و تكون النتيجة ترسيخ الاعتقاد بأن الدوالي "لازم بترجع".
لو عدنا إلى العلم و الدراسات العلمية لوجدنا أن في كل أنحاء العالم نسبة حدوث "رجوع للدوالي" بعد العمليات 2-3% من المرضى، بفرض أن العملية أجريت بصورة سليمة و أجريت للمريض المناسب. لذلك من الضروري تحري الدقة في اختيار الطبيب صاحب المهارة و الخبرة التي تؤهله لأن يحدد العلاج المناسب لحالة كل مريض، و بطبيعة الحال عنده من الأمانة ما يجعله حريصاً على اجراء العملية فقط لو المريض محتاجها و سيستفيد منها و مناسبة لحالته.
يتبقى أن نعلم أن بعض المرضى أجسامهم ذات طبيعة خاصة لها استعداد طبيعي لتكوين دوالي، هؤلاء ممكن جداً بعد اجراء عمليات الدوالي أن تظهر لهم عروق جديدة في أماكن جديدة غير التي تم علاجها من قبل، و في هذه الحالة ينبغي ألا يطلق عليها "رجوع للدوالي" و إنما ظهور لدوالي جديدة بصورة متكررة، و هذه الحالات يتم علاجها بالعلاج التحفظي في أغلب الأحوال.
- ...رجلي فيها ورم و خايف يكون خبيث...
منظر السيقان و هي منتفخة و متورمة يثير مخاوف الكثيرين، المخاوف تتراوح ما بين الخوف من الأمراض الخبيثة و بين الخوف من ثقل الساق و توقفها عن الحركة و أحياناً ما يؤدي انتشار المعلومات المغلوطة و غير الدقيقة إلى الخوف من بتر الساق بسبب التورم!!
أولاً أحب أن أوضح أن كلمة "ورم" الساق أو القدم لا تمت بصلة إلى كلمة "ورم" التي تستعمل عند تكون أورام في الجسم سواء حميدة أو خبيثة ، و إنما هو مجرد تشابه لغوي، و لذلك فأنا دائماً ما أطمئن مرضاي و أؤكد على أهمية عدم الربط بين الأمرين.
ثانياً أحب أن أنوه إلى أن تورم الساقين ليس مرضاً قائماً بذاته و إنما هو عرض لخلل ما في الجسم قد يكون مرض في الأوردة مثل الجلطات أو الدوالي ، أو مرض في الكبد أو الكلى أو القلب أو غيرهم من أجهزة الجسم. و أخيراً هناك ما يسمى التورم الليمفاوي (الليمفوديما) و هذا يحدث نتيجة ضيق أو انسداد في ما تسمى الأوعية الليمفاوية، و هي عبارة عن قنوات دقيقة تساعد في نقل الماء من الساقين إلى الجسم، عند حدوث انسداد يتراكم الماء في الساقين مسبباً هذا التورم الليمفاوي، و كلما زادت فترات وقوف المريض أو فترات تدلي الساقين مع الجلوس بدون حركة زادت درجة التورم.
جدير بالذكر أن تورم الساقين ليس علامة على وجود انسداد بالشرايين و لا يوجد ما يقلق بخصوص الشرايين في حالات التورم.
يتبقى أن نعلم أنه في بعض الأحيان لا نعرف سبباً للتورم، بمعنى أنه أجريت للمريض كل الفحوصات التي استبعدت وجود أي مشاكل خطيرة في الأوردة و القلب و الكبد و الكلى، في هذه الحالة يجب طمأنة المريض أنه لا يوجد ما يدعو للخوف خاصة بعد أن تأكدنا من خلوه من الأمراض، و ينصح المريض حينئذ بارتداء شراب ضاغط لعلاج التورم، و أحياناً ما يحتاج المريض للاستعانة بجلسات العلاج الطبيعي لإعادة الساق إلى حجمها الطبيعي.
- ... أنا حاسس ان الدم مش واصل لراسي...
شكوى متكررة يذكرها المرضى عندما يشعرون بدوار أو دوخة أو غثيان أو ألم أو تنميل في الرأس، يظن المريض أنه لديه قصور في توصيل الدم إلى المخ، و لكن الصحيح هو أنه لا توجد لدينا حاسة خاصة بالأوعية الدموية تعطينا انذاراً بسريان أو انقطاع الدم في جزء ما من الجسم، و لذلك فإنه عند الشعور بأحد الأعراض المذكورة لابد من الذهاب إلى الطبيب لتحليل هذه الأعراض و الكشف بصورة دقيقة لمعرفة السبب. يفضل أن يكون ذلك بواسطة طبيب باطني يستطيع أن يشخص الكثير من الأمراض المسببة لهذه الأعراض مثل ارتفاع أو انخفاض ضغط الدم ، و ارتفاع أو انخفاض مستوى السكر ، و بعض أمراض الغدد الصماء، و أحياناً ما يحيل المريض إلى طبيب المخ و الأعصاب أو طبيب الأنف و الأذن اذا تبين له اشتباه أمراض تابعة لهم مسببة لهذه الأعراض.
و لكن متي يكون اللجوء إلى طبيب الأوعية الدموية؟ يحدث ذلك عندا يكتشف طبيب المخ و الأعصاب بالكشف و الأشعات وجود قصور في تغذية الدم بالمخ أو بعد حدوث سكتة دماغية، حينئذ يطلب للمريض أشعة تدعى دوبلكس على شرايين الرقبة المغذية للمخ و يتم عرضها على طبيب الأوعية الدموية الذي يقرر مدى الاحتياج لإجراء قسطرة أو جراحة لتوسيع الشرايين أو الاكتفاء بالعلاج الدوائي.